الفضائل المسيحية

الفضائل المسيحية
مدخل الاب ازاد صبري
تمهيد
في هذا الزمن، زمن التحولات، زمن انحدار المجتمع نحو التخلخل العائلي ورفض المورث والعرف الأصيل، زمن الثورة على الدين والانتفاضة على العلاقات الاجتماعية، زمن دوس القيم والفضائل للوصول إلى المأرب والغايات بأسهل الطرق تحقيقا للمصالح العابرة الزائلة. نقف اليوم امام المحك وازاء خيارين: أما إن ننزلق مع الموج فننتهي الى الفراغ والضياع والموت. أو أن نعود الى الخيار الصحيح؛ الى معرفة حقيقتنا وندرك غاية وجودنا، ونسعى الى الكمال بتبني القيم والفضائل الاساسية التي تقودنا نحو عالم اكثر انسانية، نحو عالم الله.
والمسيحي كونه مدعوا الى ان يكون متيقظا ومستعدا لاستقبال يسوع في حياته، فان من واجبه ان يطور العادات الحسنة لديه، ويسلك حياة اخلاقية صالحة، ” كل ما هو حق وكرامة، وعدل ونقاوة، ولطف وشرف، وكل ما هو فضيلة وكل ما يمتدح، كل هذا فليكن محط افكاركم” (فيلبي4: 8).
لا يكفي ان يكون المسيحي مؤمنا، بل عليه ان يتتلمذ للرب يسوع. وما يساعده في ان يكون تلميذا ليسوع هو اعتماده سلوكا طيبا وتعاملا حسنا مع الاخرين، فتصبح هذه بنعمة الرب فضائل متجذرة فيه ومتاصلة في اعماقه، لتساعده في مسيرة حياته. فالفضائل تتيح السهولة في اصدار الاحكام، والوضوح في التعبير عن المشاعر، وسرعة الخاطر في اخذ الخيارات.[1] هكذا فان الفضائل تمد المسيحيين بالمساعدة الضرورية لاتخاذ القرارات الصحيحة ببساطة وعفوية.[2]
ما هي الفضيلة؟
الفضيلة بالنسبة لافلاطون هي: العلم بالخير والعمل به. و لارسطو هي: الاستعداد الطبيعي او المكتسب للقيام بالافعال المطابقة للخير. اما بالنسبة لتوما الاكويني فهو يعلم بان كل قوة من القوى الكامنة في طبيعة الانسان قابلة لاكتساب العادات المتنوعة. وتسمى هذه القوى والطاقات بالملكات، وعندما تتوجه الاخيرة نحو الخير الاخلاقي تعرف بالفضائل، وعندما تتوجه نحو الشر تعرف بالرذائل.
الفضيلة، حسب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، هي استعداد عادي وثابت لفعل الخير. وهي تتيح للشخص ليس فقط ان يفعل افعالا صالحة وانما ان يعطي افضل ما فيه. والشخص الفاضل يسعى بكل قواه الحسية والروحية الى الخير، ويمضي وراءه ويختاره في افعال واقعية.[3] وهدف الحياة الفاضلة كما يؤكد غريغوريوس النيصي (في التطويبات1 )، هو في ان نصير مثل الله.
فالفضائل هي التصورات والمواقف الاساسية القويمة، التي منها تستخلص التصرفات الفردية الموافقة. والانسان الفاضل هو الذي يمارس الخير بحرية[4]. وهي (الفضائل) على انواعها تقرب الانسان الى كمال الله لانها ترسخ في نفس الانسان الصفات الصالحة المماثلة لصلاح الله، “كونوا كاملين كما ان اباكم السماوي هو كامل” (متى5: 12).
انواع الفضائل:
-
1. الفضائل الالهية: الايمان، الرجاء، المحبة
ان وجهة المسيحي القويمة تعبر عنها بنوع خاص المواقف او الفضائل الاساسية، فضائل الايمان والرجاء والمحبة، التي ندعوها ايضا فضائل الهية.
هذه المواقف او الفضائل الاساسية الثلاث تتعلق في العهد الجديد باوضاع مختلفة. والمقصود بالايمان والرجاء والمحبة، انما هو انفتاح الانسان على الله، وتدعى هذه الفضائل الهية (teologal)، لانها متعلقة مباشرة بالله. وهي توهب لنا عندما يقبلنا الله ابناء له في المعمودية. وتسم كل ما نفعله او نمتنع عنه، لان تعلقنا بالله يجب ان يسم بطابعه حياتنا كلها. ومن ثم فهي تنعكس في ما يدعى بالفضائل الادبية، التي بها نسلك السلوك القويم في علاقاتنا مع الناس وفي مهام حياتنا. مثل تلك الفضائل الادبية لا تاتي من تلقاء ذاتها؛ علينا ان نجتهد للحصول عليها بمؤازرة نعمة الله؛ لذلك تدعى مكتسبة.[5]
بالايمان نعتقد وجود الله، وكل ما اوحى به الينا، وتعرضه علينا الكنيسه لنعتقده. بالرجاء نبتغي من الله وننتظر بثقة راسخة الحياة الابدية والنعم لاستحقاقها. وبالمحبة نود الله فوق كل شيء، والقريب كنفسنا لاجل الله. انها رباط الكمال وصورة الفضائل كلها.
-
الفضائل الادبية الرئيسة: الفطنة، العدل، القوة، القناعة
No comments yet
Comments are closed